النحت على الخشب.. إبداع تنسجه مهارة اليد ودقة العين

لم يملك الإنسان منذ قديم الأزل الكثير من المقومات التي تمكّنه من تلبية احتياجاته أو التعبير عن فنونه ومواهبه فسخّر الطبيعة من حوله ليصنع تحفًا فنية.

إحدى الحرف التراثية هي “خراطة الخشب”، إذ تعتبر من الفنون أو المهن التراثية القديمة التي تحافظ على حضورها حتى الآن.

بدأ الإنسان بهذه الحرفة منذ العصور القديمة، وزين به المعابد الفرعونية والرومانية والإغريقية والسومرية،
منتجات الأخشاب المخروطة مازالت تحتفظ بمكانتها بين قطع الديكور الراقية والجذابة، على مستوى العالم.

الحفر على الخشب يحتاج إلى حرفية عالية، إضافة إلى مخيلة واسعة لنحت ما هو مميز فيجعل المنحوتات كأنها لوحات مرسومة بأنامل فنان متقن.

في القدم، اعتمد الإنسان في عملية النحت على المطرقة الخشبية، والأزميل بكافة مقاساته، والمشرط، والمبرد، وأدوات التنعيم، ومع التطور والحداثة أصبح الإنسان يستخدم أدوات كهربائية للحفر على الخشب مما وفر عليه الوقت والجهد.

ظهرت في الآونة الأخيرة بعض الأدوات النصف آلية والآلية، مثل: ماكينة الأويما، والتخبيط، والراوتر، والماكينة التي تعمل بالكمبيوتر.

المنتجات الخشبية لها ميزات عديده تضعها في مكانة فريدة بين قطع الديكور البلاستيكية والفخارية والزجاجية، لتبقى دائمًا الاختيار الأول لعشاق القطع الديكورية الدافئة، التي لعبت الطبيعة دورها في رسم تفاصيلها ببراعة من حيث التمويجات والخطوط الداخلية التي تضفي جمالًا يعجز أصحاب مواهب الفن التشكيلي عن أن يأتو بمثله.

قطع الديكور الخشبية هي الأكثر تحملًا للعوامل الجوية، وعمرها الافتراضي أطول كثيرًا من القطع الزجاجية أو الفخارية التي عادة ما تكون عرضة للكسر.

يمكن استخدام العديد من أنواع الشجر لضمان نتائج خرط جيدة، وقطع ديكورية فريدة، حالية من العيوب، مثل أشجار السرسوع والكافور والجوز والمشمش والصفصاف والزان والمانجو والسيبانس والفيكس واللبخ.

يمكن إضفاء لمسة دهان نهائية من الطبيعة أيضًا باستخدام زيوت الأشجار النادرة منها الزيت المستخرج من شجرة التونج، أو شجرة التيك، أو زيت الأشجار الدنماركية (دانش) وجميعها يعطى لمسة نهائية غاية في الروعة مع الحفاظ على اللون الطبيعي لخشب الأشجار.

صناعة التحف من الأشجار تعتبر واحدة من أكثر المجالات القديمة التي تلقى قبولًا عالمياً، وتحافظ على وجودها بين عشاق هذا الفن الفريد بكل الأعمار، فضلاً عن اهتمام شركات عملاقة بتصنيع ماكينات خرط وتقطيع الأخشاب وفق منظومة قادرة على التطور ومواكبة الحداثة بسوق الديكور.

كما أنها تعد مهنة تراثية من طراز فريد، قادرة على تلبية رغبة بعض الدول التي تسعى لإعادة أحياء التراث والحرف اليدوية.

هناك عدة أنواع للنحت على الخشب، منها الحفر المسطح والذي يشمل عدة أنواع، هي “التخريم والتخريق” حيث يقوم الحرفي بتفريغ الخشب على شكل لوحات مختلفة تمثل رسومًا لنباتات وأزهار معينة، أو حيوانات وطيور، أو آيات وحكم، يُعنى بصناعتها لدرجة كبيرة الأمر الذي يضفي على منتجاته مظهرًا من الدقة يشد النظر ويبهره.

وهناك الخراطة الخشبية التي تعتمد على مقدرة الصانع في حسن تكييفه للقطع الخشبية بوساطة مخرطة يدوية فينتج بذلك قوالب المعجنات، وأحجار النرد، والشطرنج، وهياكل الكراسي الخشبية، وقد تحولت إلى الإنتاج الآلي مؤخرًا.

يوجد أيضًا “التطعيم”، حيث يعتمد على إبراز التناظر في الأشكال المرسومة بتطعيم الخشب بمواد متعددة كالصدف، والعظم، والقصدير، والنحاس، وحتى الفضة، وذلك بحفر خطوط دقيقة تمثل الرسوم المطلوبة، ثم تملأ بالمادة المطلوبة، وينتج الحرفيون بهذه الطريقة علب الموزاييك، وصناديق المجوهرات، والمكاتب الفخمة، والطاولات، والكراسي، وإطارات الصور.

النوع الرابع هو “التنزيل على الخشب”، وقد اقتبست عن أعمال الموزاييك في العصر البيزنطي، وتختلف عن فن الحفر، ويمكن تنزيل الخشب -كخشب الليمون والنارنج والورد- أو العظم أو الصدف بألوان مغايرة للون الخشب المحفور، فتظهر الزخارف الهندسية الدقيقة والكتابات المخطوطة في المادة العظمية المخرّقة أو المادة الصدفية بمظهر جميل ساحر.

إلى جانب الحفر المسطح، هناك الحفر المسجم ويضم الحفر البارز المسطح حيث يصل ارتفاع الزخارف المحفورة إلى حوالي 5 ملم ويكثر غالبًا في تصميم الميداليات والحفر الإسلامي .

“الحفر البارز المشكّل” يزيد فيه ارتفاع الزخارف والأشكال المحفورة على الأرضية بأكثر من نصف 0.5 سم ويصل إلى حوالي 7 سم في الحفر الروماني على أن تكون الأرضيات في الشكل جميعها متساوية وبعمق واحد.

هناك أيضًا “الحفر البارز المجسم”، وهو كالحفر البارز المشكل ولكنه أكثر بروزًا وعمقًا في الأرضيات التي يجب أن تكون متساوية في عمق واحد أيضًا، وقد تصل فيه ارتفاعات الزخارف المحفورة إلى بروز 25 سم لتعطي تأثيرًا أقوى، ويصلح استخدام هذا النوع من الحفر في الأماكن البعيدة عن النظر، ومعظم موضوعاته من الكائنات الحية .

النوع الرابع هو “الحفر المفرغ”، وهو الحفر لتشكيلات مفرغة بمنشار الآركت، والمحفورة في الوقت نفسه على أن تتماسك وحداته، ويستعمل في أشغال الإطارات الثمينة.

هناك أيضًا “الحفر الغائر” وفيه تكون الزخارف المحفورة إلى الداخل مع ترك الأرضيات كما هي بدون حفر أو نقش، وقد لجأ قدماء المصريين إلى استخدامها بكثرة في المعابد والمقابر القليلة الضوء لتساعد الظلال على وضوحها ولتعمر طويلًا.