الشاشية التونسية.. “رقيٌّ” يزين الرؤوس

تونس واحدة من أكثر الدول التي تحافظ على حرفها التراثية والتقليدية، فالحداثة التي تشهدها البشرية لم تؤدِ إلى غياب الحرف الأصلية هناك.

من بين الحرف التراثية الشهيرة هناك هي صناعة “الشاشية”، وهي إحدى أنواع قبعات الرجال، وتلقَّى رواجًا ليس فقط في تونس لكن في العديد من الدول العربية والإسلامية بألوان مختلفة تعتمد على كل بلد، وفي تونس يرتدونها باللون الأحمر.

اسم الشاشية يعود إلى كلمة “شاش” وهو الاسم القديم لـ “طشقند” في أوزباكستان، وقد ظهرت هذه الصناعة مع هجرة الأندلسيين إلى تونس عقب سقوط غرناطة عام 1492.

تتنوع صنوف الشاشية بين “ساقسلي” و”كتافي” و”عريضي” و”مجيدي” وغيرها، وهي محببة لدى الرجال والنساء أيضًا، وقد مثلت حتى وقت قريب قيمة تراثية وفنية وتاريخية في اللباس التونسي الأصيل.

وحجزت الشاشية مكانها كجزء من إكسسوارات التونسيات اليومية ببساطتها وصوفها الجيّد وزينتها المستحدثة مختلفة الألوان والأشكال.

صناعة الشاشية تعتبر من الفنون الراقية التي تخضع لعادات صارمة، إذ يجب على كل من يود احترافها الخضوع لاختبار تُقرِّه لجنة مختصة.

تصدِّر تونس نحو 80% من الشواشي التي تنتجها المشاغل الحرفية إلى ليبيا والجزائر والمغرب والسودان ونيجيريا والشرق الأوسط وآسيا.

بدأ تاريخ الشاشية في تونس مع حلول المورسكيين الفارين خصوصًا من محاكم تفتيش الملك الإسباني “فيليب الأول” ملك قشتالة (1478- 1506 ميلادية) وإقامتهم بمنطقة تستور من محافظة باجة، عند هضبة سهل مجردة الخصب.

مراحل صنع الشاشية في تونس تخضع إلى نظام دقيق، يشرف أمين الشواشين – وهو رئيس الجمعية التي تضم صناع الشاشية – على تطبيق قواعد تصنيعها المرسومة بصرامة عالية.

مثّلت صناعة الشّاشية خلال القرنين الـ18 والـ19 ميلادية إحدى دعائم الاقتصاد التونسي، حتى نجحت في غزو الأسواق العالمية عبر أوروبا وأفريقيا وبعض البلدان الآسيوية.

يعود صيت الشاشية التونسية إلى جودتها وخصوصيّة عملية تصنيعها التي لا تتوفّر في أي من أغطية الرأس الأخرى.

وكان سوق الشواشين من أنشط الأسواق وأكثرها حركية، إذ يقبل عليه التونسيون والمسلمون وغيرهم، ممن يفدون على تونس ويقبلون بشغف على هذه البضاعة التي تعتبر “علامة” تونسية مميزة.

الشاشية “الساقسلي” هي أشهر أنواع القبعة التونسية العريقة، تحاك بخيط واحد رقيق من الصوف، وتعود التسمية إلى أن هذا النوع كان يصنع خصيصا لسلاطين وأمراء الدولة العثمانية، وكانت حمولة الشواشي توجه من ميناء حلق الوادي إلى ميناء جزيرة ساقس التركية.

هناك أيضًا الشاشية “كتافي” التي تُحاك بخيطين من الصوف أغلظ نسبيًّا، فيما الشاشية “عرضاوي” تحاك بـ3 خيوط من الصوف وتكون أطول بقليل من الشاشية “الكتافي”.

أمّا شاشية “الباشا” فهي تشبه الشاشية الإسطنبولي، إلا أن محيط دائرتها العليا أكبر من محيط دائرتها السفلى، وقد اشتهر بلبسها خير الدين باشا – الوزير الأكبر بتونس بين 1873 و1877 ميلادية زمن الباي أحمد باشا باي – ولم تعد شاشية الباشا تصنع إلا عند الطلب.

الشاشية “مجيدي” اشتهر بلبسها السلطان عبدالمجيد، والشاشية “إسطنبولي” اشتهر بلبسها أهل إسطنبول، طولها أكبر من الشاشية “المجيدي”.