النقش على النحاس.. بريق الجزائر الذي لا يصدأ

يعتبر النقش على النحاس أحد الفنون التراثية الجزائرية التي لا تزال تحتفظ ببريقها الخاص رغم تطور أدوات الاستخدام اليومية.

لا تزال منتجات النحاس المزخرفة بالنقوش تجد من يحبذها وتجذب على نحو خاص السياح الأجانب.

وفيما تعرف مدينة قسنطينة بأنها مدينة العلم والعلماء، حينما شهدت أزقتها وشوارعها انتشارًا واسعًا لـ”صنايعية النحاس”، وهم الذين يمتهنون حرفة النقش على النحاس.

تنتج المدينة نحو 70% من الإنتاج المحلي من هذه الصناعة العريقة، وقد ساهمت في التعريف بمدينة قسنطينة دوليًّا وعربيًّا، ونظرًا لجودة منتجها فهو منتشر في دول عربية منها ليبيا وتونس وسوريا.

كما حصدت الكثير من الجوائز في مهرجانات دولية أهمها جائزة أحسن صناعة حرفية خاصة بالنحاس في مهرجان الصناعات التقليدية والحرفية في العاصمة السورية دمشق عام 1998.

تاريخ النقش على النحاس يعود إلى بدايات ازدهار الحضارة العربية الإسلامية، حيث اشتهر الإقبال على تزيين المباني كالمساجد والمدارس والدور والقصور وسواها من المنشآت بشتى ضروب الزينة والزخارف، وتهافت الناس على اقتناء الأشياء المذوّقة بالرسوم والنقوش.

أدى ذلك إلى نشوء حرف كثيرة لسد هذه الحاجة، ولجأ صناع هذه الحرف إلى أساليب مبتكرة ووسائل شتى لتلبية الطلبات المنهالة عليهم، كالنقش والرسم والتذهيب والتلوين والتطعيم والتعشيق وسواها من الوسائل والأساليب التي اصطلح على تسميتها الفنون الزخرفية.

يدخل معدن النحاس كمادة أساسية في تصنيع الكثير من أدوات الاستعمال اليومية، ففي عهد الدولة الإسلامية استخدم النحاس في صناعة العملات وأواني الطعام، وتم استخدمه أيضًا على مدى واسع في طلاء قاع السفن الخشبية حتى لا تتعرض للتلف، وكلحام لمعدن الحديد.

كما يستخدم في صناعة المولدات الكهربائية وصناعة الآلات، ويستخدم بكثرة أيضًا في خطوط وكابلات الكهرباء الخارجية، وخيوط اللمبات الكهربائية، ومعدات الاتصال، وتستخدم كميات كبيرة من النحاس في صناعة الحرير الصناعي.

يتطلب النقش على النحاس أدوات مختلفة يمكن وصفها بأنها بدائية وتقليدية، لكن الاستغناء عنها غير ممكن، لأنها أساس ممارسة هذه الحرفة، وتتمثل في منضدة خشبية صغيرة، ومطارق حديدية متعددة الأنواع والأحجام، وأقلام فولاذية للحفر، وبعض الأحماض المؤثرة التي تُستعمل في التعشيق أو التلميع.

توجد عدة أنواع من النحاس الذي يمكن النقش والحفر عليه وأشهرها النحاس الأصفر، والنحاس الأحمر، والنحاس الأبيض.

وهناك عدة مراحل ينبغي إتباعها في عملية النقش، تبدأ باختيار القطعة المناسبة، ومساواتها أي الطرق عليها بالمطرقة والسندان لتتساوى جميع أجزائها ثم مسحها بشكل جيد لتكون ملساء، ثم الرسم على القطعة بواسطة قلم رصاص.

بعد ذلك، تبدأ عملية تبكير الخانات التي تم رسمها أي تنسيق الخانات لتكون متساوية مع بعضها البعض من خلال استخدام القلم والبرجل، ثم الدق على قلم الحفر أو النقش بالشاكوش ومن هذه الأقلام قلم الجوهارسة والذي يُستخدم لتشكيل دوائر صغيرة، وكذلك يمكن استخدام قلم الزنبة من أجل حفر النقاط المطلوبة في الرسمة وقلم النرمبل لعمل أرضية النحاس كالرمل وكذلك قلم المقطع لعمل الفراغات.

يتم بعد ذلك النقر والحفر على النحاس بتمرير القلم على الشكل المرسوم بواسطة الدق عليه، ثم التوجه بقطعة النحاس إلى المخرطة للحصول على شكل القطعة الخارجي سواءً دائريًا أم مستطيلاً أم غير ذلك.

يتم تلميع القطعة بواسطة الفرشاة ثمّ طلاؤها إما بالذهب وإما بالبرونز أو الفضة ويمكن طلاؤها بأكثر من لون.

عملية الحفر أو الزخرفة على النحاس تتم بثلاث طرق، هي طريقة النقش بواسطة الأزميل والمطرقة، وطريقة النقر البارز، وطريقة سكب معدن الفضة على النحاس.